أهلا ومرحباً بك في مدونة أبو البواسل


كل عام وأنتم بألف خير


كل عام وأنتم بألف خير وأسأل الله أن يكتب لي ولكم الحج في العام المقبل


الإرث The Legacy

المشكلة الكبرى في تقييم تأثير دراكر هي أن العديد من أفكاره قد دخلت ضمن الحكمة التقليدية وبكلمات أخرى أنه هو نفسه ضحية نجاحه، فأحاديثه عن أهمية عمال المعرفة وتخويل الصلاحيات قد تبدو مبتذلةً بعض الشيء في يومنا هذا، ولكنها قطعاً لم تكن كذلك عندما حلم بهم أول مرة في أربعينيات القرن الماضي، أو عندما وضِعوا في حيز التطبيق لأول مرة في العالم الأنجلوساكسوني في ثمانينيات القرن الماضي.
تذكّر الكيفية التي تهكم بها أرباب الأعمال البريطانيين عندما قام صناع السيارات اليابانيين ببناء مصانع لهم في بريطانيا وكانوا يقولون لعمالهم الـ "جيورديين" أنهم يجب أن يُعملوا فكرهم بالإضافة إلى قيامهم بأعمال البرشمة (التثبيت بالبرشام) واللحام والطرق بالمطارق؟
علاوة على ذلك فإن دراكر ظل ينتج أفكاراً جديدة حتى بلغ تسعينات عمره، وعمله على "إدارة المنظمات التطوعية" وتحديداً المنظمات الدينية بقي في الطليعة، وأكاديميوا مجتمع الأعمال الأمريكيون قد بدؤوا الآن فقط بالنظر بجدية إلى "تغيير الشكل التنظيمي" الذي شارك هو بريادته.
وكان لـ دراكر طريقته في أن تكون له الكلمة الأخيرة، فـ ريتشارد نيكسون بدأ مرة حديثه بحيوية مختلساً النظر جانباً إليه إلى دائرة الصحة والثقافة والرفاهية، قال دراكر " أن الحكومة المتطورة يمكنها عمل شيئين فقط بشكل صحيح: شنُ حربٍ وزيادة تضخم العملة" وهدف إداراتي إثبات أن دراكر كان مخطئاً. ولكن عند التفكير بما حدث في السابق، فقد فَشلَ نيكسون حتى في تلك المهامِ القابلة للإنجاز فعلاً.
وقد سئل بيل غيتس "Bill Gates" مرة عن كتب الإدارة التي شدت انتباهه فأجاب " حسناً، دراكر بالطبع" وذلك قبل الاستشهاد ببضعة أناس آخرون.
إن نظرية الإدارة لم تتطور إلى أكثر عمل فكري متزمت أو مغرٍ ولكنها وجدت على الأقل في بيتر دراكر بطلاً يجب على كل إنسان مثقف تجشم المشقة لقراءة أعماله.

* المقال نشر في صحيفة الجلف نيوز في عدد الثلاثاء 29/11/2005 نقلاً عن مجلة الإيكونوميست، وأسأل الله أن أكون قد وفقت بترجمته، والغريب أني لم أجد في ويكيبيديا أي شيء باللغة العربية عن دراكر وهناك مقال عنه بالإنجليزية فيها، أما بعد البحث في المواقع العربية فإن ما كتب عنه فهو قليل جداً.

Peter Drucker زعيم الإدارة الذي غير العالم 3/4



فيما كان دراكر مخطئاً What he got wrong

هناك ثلاثة انتقادات لعمل دراكر.
الأولى: أنه لم يكن في طرحه للمنظمات الصغيرة – خصوصاً المقاولات المبتدئة – بنفس جودته في طرحه لتلك الكبيرة. فكتابه "مبداً المشاركة" كان في نواحٍ عديدة منه مسرحاً للمنطومات الكبيرة فيقول: نحن نعلم أن اليوم أن في الإنتاج الصناعي الحديث ، خصوصاً الإنتاج على نطاق واسع "أي الإنتاج بالجملة" ويقول: الوحدات الصغيرة ليست غير فاعلة فقط بل لا يمكنها الإنتاج على الإطلاق. ساهم الكتاب بإطلاق "دوي المنظومات الكبيرة" والتي سيطرت على تفكير مجتمع الأعمال للعشرين العام التي تلته.
الثانية: أن حماسته للإدارة بالأهداف ساهمت بقيادة الأعمال إلى نهاية مميتة، أغلب أفضل المنظومات المعاصرة قد تخلت عن هذه الفكرة – على الأقل في النموذج الميكانيكي والذي سرعان ما تم تبنيه، حيث فضلوا تمكين الأفكار بما فيها الأفكار أو المقترحات الخاصة بالاستراتيجية بعيدة المدى أن تصعد من أسفل وأوسط الهرم التنظيمي للمنظومة إلى أعلاه بدلاً من أن تكون مفروضة من الأعلى. ونزعوا لتجنب بُنى الإدارة المعقدة الموروثة من عصر الإدارة بالأهداف. والسبب هو أن الإدارة العليا تكون منفصلة عن الناس الذين يعرفون كلاً من أسواقهم ومنتجاتهم بالشكل الأمثل ( وهو الانتقاد الذي بالتأكيد يدور حول إدارة البيت الأبيض الخاصة بـ بوش، على كل حال تلك قصة أخرى).
الثالثة: يُنتقد دراكر أنه كان متفرداً في عالم الإدارة، متفرداً بشكل جعله يُترك في الخلف بشكل متزايد بسبب الدقة المتزايدة لحقله المختار. فقد درَََّس في كليرمونت الصغيرة بدلاً هارفرد أو ستانفورد، ولم يتطرق لفورة التقنيات الكمية، ولم يجعل له نطاقاً اكاديمياً واحداً خاصاً به من نظرية الإدارة كما فعل "مايكل بورتر" "Michael Porter" مع الاستراتيجية وكما فعل " ثيودور ليفيت" "Theodore Levitt" مع التسويق. وهو يطرح فكرة استفزازية جداً - مثل فكرة أن الغرب قد دخل مرحلة ما بعد المجتمع الرأسمالي بفضل أهمية صناديق التقاعد – بدون توضيح كامل لمصطلحاته أو ربط فرضياته.هناك بعض الصحة في النقدين الأولين ولكن النقد الثالث قصير النظر وغير منصف في آن معاً، قصير النظر لأنه تجاهل دوره الريادي في إنتاج التعريف الحديث للإدارة.

Peter Drucker زعيم الإدارة الذي غير العالم 2/4


عمال المعرفة Knowledge Worker

إن الفرضيتين الأكثر أهمية واللتين طرحهما دراكر في كتابه مبدأ الشراكة "The Concept of Corporation" واللتين ستسببان لغط اللامركزية التي باتت تقليعة واللتين ستهيمنان على أعماله.
الأولى: لها علاقة بـ "تخويل أو تفويض" العمال. حيث أعتقد دراكر بضرورة معاملة العمال كمصدر "من مصادر الدخل" بدلاً من معاملتهم كنفقة.
فقد كان ناقداً بشدة لنظام الإنتاج المرتكز على خط التجميع والذي سيطر على قطاع الصناعة، وذلك لأن خطوط التجميع كانت تسير على أساس سرعة أبطأ عنصر بها وأيضاً لأنها فشلت في الاستفادة من العمال المبدعين. وكان ينتقد بشدة أيضاً وبشكل مماثل المدراء الذين يعتبرون ببساطة أن الشركات ما هي إلا وسيلة لتحقيق الأرباح على المدى القصير. وفي أواخر تسعينات القرن الماضي أصبح واحداً من قادة النقد الأمريكيين على الارتفاع الجنوني لما يدفع للمدراء التنفيذيين، محذراً أن (في الانكماش الاقتصادي القادم، ستنتشر المرارة من والاحتقار لـ رؤساء الشركات العملاقة "السوبر" والذين يدفعون لأنفسهم الملايين).
الفرضية الثانية: لها علاقة بـ بروز عمال المعرفة. أفترض دراكر بأن العالم يسير من "اقتصاد البضائع" إلى اقتصاد "المعرفة" ومن مجتمع تهيمن الطبقة العاملة في الصناعية إلى مجتمع يسيطر عليه عمال الأدمغة "المعلوماتية". وأصر أن هذا سيسبب ورطة عويصة لكلاً من المدراء والسياسيين.
على المدراء الكف عن معاملة العمال كأسنان ترس في ماكينة بشرية ضخمة والبدء بمعاملتهم كعمال أدمغة، بالمقابل على السياسيين أن يدركوا بأن المعرفة وبالتالي التعليم هو المصدر الوحيد الأكثر أهمية لأي مجتمع متقدم.
بل أن دراكر أيضاً أعتقد بأن هذا الاقتصاد سيورط عمال المعرفة أنفسهم. فهم سيجدون أنفسهم بأنهم ليسوا أرباب عمل ولا مجرد عمال في نفس الوقت ولكنهم شيء ما في الوسط: فهم مقاولون مسؤولون عن تطوير مصدرهم الأكثر أهمية: ذكائهم، والذين أيضاً يحتاجون لرقابة أكبر على حياتهم المهنية وضمناً خططهم التقاعدية.ولكن أيضاً كان هناك جانباً "صعباً" لعمله. كان دراكر مسؤولاً عن ابتكار إحدى أنجح المنتجات للمدرسة العقلية للإدارة "الإدارة الموجهة بالأهداف" "Management By Objectives" (وهذه هي التي لا يزال بوش يتبناها).

Peter Drucker زعيم الإدارة الذي غير العالم 1/4



في الحادي عشر من نوفمبر توفي بيتر دراكر"Peter Drucker " وذلك قبل أيام قليلة من ذكرى مولده الـ 96. ويعتبر دراكر أهم مفكر إداري في القرن الماضي، حيث كتب حوالي 40 كتاباً (كان أخرها "المسؤول التنفيذي الفعّال في أرض العمل" "The Effective Executive In Action" والذي سيتم نشره في يناير القادم) كما كتب أيضاً الآلاف من المقالات.
كما كان يعتبر زعيماً لنخبة إداري الأعمال في العالم، ليس فقط في موطن مولده أوروبا وفي موطنه الذي تبناه أمريكا بل أيضاً في اليابان وبلدان العالم النامي (أحد رجال الأعمال الكوريين الجنوبيين المخلصين له قد غير اسمه الأول إلى دراكر).
ولم يكن ليرتاح في مهمته لإقناع العالم أن مطلب الإدارة بحسب صيغته الاستثنائية هي إلى حد ما "الإدارة هي عضو بناء المؤسسات .... العضو الذي يحول الرعاع إلى منظومة والجهد البشري إلى أداء".
هل نجح دراكر؟ إن اتساع نفوذه كان غير عادي، فجورج بوش هو واحد من الموالين المتحمسين لفكرة دراكر " الإدارة المرتبطة بالأهداف" "Management By Objectives". ( لقد أجاب كارل روفر "Karl Rover "" لقد قرأت لبيتر دراكر، ولكني لم أرى بيتر دراكر حتى رأيت بوش في منصبه." في رده لصحيفة الأتلانتيك الشهرية Atlantic Monthly).
وقد ذكره نيوت جينجريتش "Newt Gingich" في كل خطبه تقريباً، وقد ساعد دراكر بالإلهام بفكرة الخصخصة وهي الفكرة التي غلفت الاقتصاد البريطاني المتصلب في ثمانينيات القرن الماضي.
لقد غير مسار الآلاف من مجتمعات الأعمال وأحدث ثورتين ضخمتين في جنرال الكتريك "General Electric" أولاهما عندما تبعت جنرال الكتريك فكرته المتطرفة في اللامركزية والتي بشر بها في خمسينيات القرن الماضي، وتالياً في ثمانينيات القرن الماضي عندما أعاد جاك ويلش "Jack Welch " بناء الشركة حول معتقد دراكر بأنها يجب أن تكون الأولى أو الثانية في خط الأعمال أو أنها يجب أن تخرج من مجتمع الأعمال.
علاوة على ذلك فإن دراكر يشاد به على أنه ملهم كلاً من حركتي جيش الخلاص والكنيسة الحديثة العظمى.
ويمكنك أن تجد بصمات دراكر حيثما اختصم مجموعة من الناس حول مشاكل الإدارة المعقدة، من المنظمات "الشركات أو المؤسسات" الكبيرة إلى المنظمات الصغرى ومن القطاع العام إلى الخاص وبشكل متزايد في قطاع العمل التطوعي.
ولا يمكن القول أن دراكر كان دائماً على صواب أو حتى أنه كان دائماً حكيماً في طرحه، فقد كان له بيانات شاذة والتي ثبت لاحقاً عدم منطقيتها، فقد جادل على سبيل المثال بأن جامعات الأبحاث الأمريكية "فاشلون" وبأنهم سرعان ما سيصبحون "مجرد ذكرى" وهي مقولة غريبة بالنسبة لشخص جنى كثيراً من مجتمع المعلومات. وكان بطيئاً في نقله لاهتمامه من الشركات الكبرى إلى شركات المقاولات الناشئة. ولكنه كان غالباً على الحق أكثره منه على الخطأ، وحتى عندما كان مخطئاً كانت له طريقته باستثارة التفكر.
إن الرجل الذي أصبح مشهوراً كمفكر الإدارة الأميركي هو في الحقيقة مفكر يهودي نمساوي من فيينا. لقد زار كاتب المقال هذا بيتر دراكر في بيته في "كليرمونت" في "كاليفورنيا"، كان دراكر يتكلم الإنجليزية بلكنة ألمانية ثقيلة عن مقابلته لـ "سيجموند فرويد" "Sigmund Freud" عندما كان طفلاً و"جون ماينارد كينز" "John Maynard Keynes" و"لودفيغ فيتجينستين" "Ludwig Wittgenstein" عندما كان طالباً في كامبردج. وقال بأنه يحب أن يبقي عقله نشطاً بأن يتعاطى موضوعاً جديداً كل ثلاث أو أربع سنوات وقال بأنه كان معجباً جداً بباريس القرون الوسطى في تلك الأيام.
كان لكتابيه الأولين – نهاية رجل الاقتصاد 1939 "The End Of Economic Man" و مستقبل رجل الصناعة 1942 "The Future Of Industrial Man" – معجبيهما ومنهم وينستون تشرشل "Winston Churchill" ولكنهما أثارا انتقاداً أكاديمياً بسبب تداولهما لمواضيع عدة بشكل موسع. وربما كان هذا ما وصم مصيره كمجرد أكاديمي آخر ساخط ومستقل.
ولكن كتاب "مستقبل رجل الصناعة" لفت انتباه جنرال موتورز – والتي أصبحت لاحقاً من كبريات الشركات العالمية – بتركيزه الحماسي على فكرة أن للشركات بعداً اجتماعياً إضافة لهدفها الاقتصادي. وقد دعت جي إم "دراكر" لكي يبني لها خطة عملها ومنحته صلاحية الدخول والتواصل مع موظفيها من "ألفريد ستون" نزولاً لآخر موظف. وكانت النتيجة كتابته لكتابه - مبداً المشاركة "The Concept of Corporation" هذا الكتاب الذي غير حياة ذاك الشاب، والذي أصبح مباشرة من أفضل الكتب مبيعاً في اليابان والولايات المتحدة بل بقي يطبع في المطابع منذ ذلك التاريخ وساهم بخلق موضة الإدارة اللامركزية. في ثمانينيات القرن الماضي كان ثلاثة أرباع الشركات الأمريكية تتبنى مبدأ اللامركزية. وكان "دراكر" يتباهى بعد ذلك بأن كتابه كان له أثر مباشر على مجتمع الأعمال الأمريكي وعلى مؤسسات الخدمة العامة وعلى الوكالات الحكومية ولكن ليس على جنرال موتورز.
وهكذا ولد "دراكر" زعيم الإدارة.




/* This is for google analytics tracker*/ free counter